الحمد الله والصلاة والسلام علي رسول الله ....
أن في الأستغفار مصالح قد لايدركها العبد ....
قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن فوائد التضرع إلي الله تعالي ومشاهدة الذنب : (( ومنها إن الله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه ولسانه فإذا ابتلي بالذنب جعله نصب عينيه ونسي طاعاته وجعل همه كله بذنبه فلا يزال ذنبه أمامه أن قام أو قعد أو غدا أو راح فيكون هذا عين الرحمة في حقه كما ذكر أحد السلف : إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة ويعمل الحسنة فيدخل بها النارقالوا كيف ذلك ؟
قال يعمل الخطيئة فلا يزال نصب عينيه كلما ذكرها بكي وندم وتاب واستغفر وتضرع وأناب إلي الله وذل له وانكسر وعمل لها أعمالاً فتكون سبب الرحمة في حقه ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمن بها ويراها يعتدها علي ربه وعلي الخلق ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لايعظمونه ويكرمونه يجلونه عليها ؟! فلاتزال هذه الأمور به حتي تقوي عليه آثارها فتدخله النار
فعلامة السعادة : أن تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نصب عينيه وعلامة الشقاوة : أن يجعل حسنات نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره و الله المستعان
ومنها : أن شهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له أن لايري لنفسه علي أحد فضلاً ولا له علي أحد حقاً فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه فلايظن أنه خير من مسلم مؤمن بالله ورسوله ويحرم حرم الله ورسوله فإذا شهد ذلك من نفسه لم يرلها علي الناس حقوقاً من الإكراميتقاضاهم إياها ويذمهم علي ترك القيام بها فإنها عنده أخس قدراً وأقل قيمه من أن يكون لها علي عباد الله حقوق يجب عليهم مراعاتها أوله عليهم فضل يستحق أن يكرم ويعظم ويقدم لأجله فيري أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط فقد أحسن إليه وبذل له مالا يستحقه فاستراح هذا نفسه وأراح الناس من شكايته وغضبه علي الوجود وأهله فما أطيب عيشه وما أنعم باله وما أقر عينه وأين هذا ممن لا يزال عاتباً علي الخلق شا كياً ترك قامهم بحقه وساخطا عليهم وهم عليه أسخط
ومنها : أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها فإنه شغل بعيب نفسه فطوبي لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس هذا من علامة الشقاوة كما أن الأول من أمارات السعادة
ومنها : أنه إذا وقع في ذنب شهد نفسه مثل إخوانه الخطائين وشهد أن المصيبه واحدة والجميع مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلي مغفرة الله وعفوه ورحمته فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفر لأخيه المسلم فيصير هجيراه رب اغفرلي ولوالدي
وللمسلمين وللمؤمنين والمؤمنات .
فإذا شهد العبد أن اخوانه مصن بمثل ما أصيب به محتاجون إلي ماهو محتاج إليه لم يمنع من مساعدتهم إلا الفرط جهل بمغفرة الله ووفضله وحقيق بهذا أن لا يساعد
وقد قال بعض السلف إن الله لما عتب الملائكه بسبب قولهم : (( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء))
وامتحن الله هاروت وماروت بما امتحنهما به جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبني آدم وتدعو الله لهم ))