شهر رمضان (كل عام والامه الاسلامية بخير ويمن وبركات)
التّعريف
1 - رمضان اسم للشّهر المعروف ، قيل في تسميته: إنّهم لمّا نقلوا أسماء الشّهور من اللّغة القديمة سمّوها بالأزمنة الّتي وقعت فيها ، فوافق هذا الشّهر أيّام رمض الحرّ ، فسمّي بذلك.
«ثبوت شهر رمضان»
2 - يثبت شهر رمضان برؤية هلاله ، فإن تعذّرت يثبت بإكمال عدّة شعبان ثلاثين يومًا.
واختلف الفقهاء في أقلّ من تثبت الرّؤية بشهادتهم.
فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، إلى ثبوت شهر رمضان برؤية عدلٍ واحدٍ.
وقيّد الحنفيّة اعتبار رؤية عدلٍ واحدٍ بكون السّماء غير مصحيةٍ ، بأن يكون فيها علّة من غيمٍ أو غبارٍ ، أمّا إذا لم يكن في السّماء علّة فلا تثبت الرّؤية إلاّ بشهادة جمعٍ يقع العلم بخبرهم.
واستدلّ القائلون بثبوت الشّهر برؤية العدل ، بحديث عبد اللّه بن عمر - رضي الله عنهما- قال: « تراءى النّاس الهلال ، فأخبرت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّي رأيته فصامه ،وأمر النّاس بصيامه »
واستدلّوا كذلك بحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: « جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي رأيت الهلال - يعني رمضان - قال: أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه ؟ أتشهد أنّ محمّدًا رسول اللّه ؟ قال: نعم. قال: يا بلال ، أذّن في النّاس أن يصوموا غدًا »
وذهب المالكيّة وهو قول عند الشّافعيّة: إلى أنّه لا يثبت شهر رمضان إلاّ برؤية عدلين واستدلّوا بحديث الحسين بن الحارث الجدليّ قال: « إنّ أمير مكّة - الحارث بن حاطبٍ - قال: عهد إلينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرّؤية ، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نسكنا بشهادتهما »
والإخبار برؤية هلال رمضان متردّد بين كونه روايةً أو شهادةً ، فمن اعتبره روايةً وهم الحنفيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة قبل فيه قول المرأة.
ومن اعتبره شهادةً وهم المالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة لم يقبل فيه قول المرأة.
فإن لم تمكن رؤية الهلال وجب استكمال عدّة شعبان ثلاثين يومًا ، وهو قول الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ورواية في مذهب الحنابلة - واستدلّوا بحديث ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه سحابة ، فأكملوا العدّة ولا تستقبلوا الشّهر استقبالًا »
وفي روايةٍ: « لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا للرّؤية وأفطروا للرّؤية ، فإن حالت دونه غياية فأكملوا ثلاثين »
وفي روايةٍ أخرى هي المذهب عند الحنابلة أنّه إذا كانت السّماء مصحيةً ولم ير الهلال ليلة الثّلاثين أكملت عدّة شعبان ثلاثين يومًا ، فإذا كان في السّماء قتر أو غيم ولم ير الهلال ، قدّر شعبان تسعةً وعشرين يومًا ، وصيم يوم الثّلاثين «يوم الشّكّ» احتياطًا بنيّة رمضان ، واستدلّوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له » وفسّروا قوله: « فاقدروا له » أي ضيّقوا له ، وهو أن يجعل شعبان تسعةً وعشرين يومًا.
وجمهور الفقهاء على عدم اعتبار الحساب في إثبات شهر رمضان ، بناءً على أنّنا لم نتعبّدإلاّ بالرّؤية.
وخالف في هذا بعض الشّافعيّة. وانظر التّفصيل في مصطلح: «رؤية الهلال ،وتنجيم» .
«اختلاف مطالع هلال رمضان»
ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة: إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان ، فإذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلدٍ لزم الصّوم جميع المسلمين في جميع البلاد ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: « صوموا لرؤيته » وهو خطاب للأمّة كافّةً.
والأصحّ عند الشّافعيّة اعتبار اختلاف المطالع ، وتفصيل ذلك في مصطلحي: «رؤية الهلال ، ومطالع» .
4 - واتّفق الفقهاء على اعتبار شهادة عدلين في رؤية هلال شوّالٍ ، وبه ينتهي رمضان ، ولم يخالف في هذا إلاّ ثورٍ ، فقال: يقبل قول الواحد.
ودليل اعتبار شهادة العدلين حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّه أجاز شهادة رجلٍ واحدٍ على رؤية الهلال - هلال رمضان - وكان لا يجيز على شهادة الإفطار إلاّ بشهادة رجلين »
وقياسًا على باقي الشّهادات الّتي ليست مالًا ، ولا يقصد منها المال ، كالقصاص والّتي يطّلع عليها الرّجال غالبًا ، ولأنّها شهادة على هلالٍ لا يدخل بها في العبادة ، فلم تقبل فيها إلاّ شهادة اثنين كسائر الشّهود.
خصائص شهر رمضان: يختصّ شهر رمضان عن غيره من الشّهور بجملةٍ من الأحكام
«والفضائل: الأولى: نزول القرآن فيه»
5 - نزل القرآن جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا ، وذلك في شهر رمضان ، وفي ليلة القدر منه على التّعيين.
ثمّ نزل مفصّلًا بحسب الوقائع في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
كما ورد في القرآن الكريم: «شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان» وقوله سبحانه تعالى: «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» .
وقد جاء في التّفسير عن مجاهدٍ - رضي الله عنه - قوله: «ليلة القدر خير من ألف شهرٍ» ، ليس في تلك الشّهور ليلة القدر ".
وورد مثله عن قتادة والشّافعيّ وغيرهما ، وهو اختيار ابن جريرٍ وابن كثيرٍ.
«الثّانية: وجوب صومه»
6 - صوم رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة كما جاء في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدًا رسول اللّه ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وحجّ البيت ،وصوم رمضان » .
ودلّ الكتاب الكريم على وجوب صومه ، كما في قوله تعالى: «يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون» وقوله تعالى: «شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه» .
الآية. وفرضيّة صومه ممّا أجمعت عليه الأمّة. وينظر التّفصيل في مصطلح: «صوم» .
«الثّالثة: فضل الصّدقة فيه»
7 - دلّت السّنّة على أنّ الصّدقة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور ، من ذلك حديث ابن عبّاسٍ قال: « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أجود النّاس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كلّ ليلةٍ في رمضان حتّى ينسلخ ، يعرض عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الرّيح المرسلة »
قال ابن حجرٍ والجود في الشّرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي ، وهو أعمّ من الصّدقة ، وأيضًا رمضان موسم الخيرات ، لأنّ نعم اللّه على عباده فيه زائدة على غيره ، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنّة اللّه في عباده.
« الرّابعة: أنّ ليلة القدر في رمضان»
8 - فضّل اللّه تعالى رمضان بليلة القدر ، وفي بيان منزلة هذه اللّيلة المباركة نزلت سورة القدر ووردت أحاديث كثيرة منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « أتاكم رمضان شهر مبارك فرض اللّه عزّ وجلّ عليكم صيامه ، تفتح فيه اب السّماء ، وتغلق فيه اب الجحيم ، وتغلّ فيه مردة الشّياطين ، للّه فيه ليلة خير من ألف شهرٍ ، من حرم خيرها فقد حرم »
وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه » . وينظر التّفصيل في مصطلح: «ليلة القدر» .
«الخامسة: صلاة التّراويح»
9 - أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان ، وقد ذكر النّوويّ أنّ المراد بقيام رمضان صلاة التّراويح يعني أنّه يحصل المقصود من القيام بصلاة التّراويح.
وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان قوله صلى الله عليه وسلم: « من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه » .
وينظر التّفصيل في مصطلح: «إحياء اللّيل» ومصطلح: «صلاة التّراويح» .
«السّادسة: الاعتكاف فيه»
10 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنّة مؤكّدة ، لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه ، كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه اللّه تعالى ، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده » وفي حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عامًا حتّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي اللّيلة الّتي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر » الحديث. ويراجع التّفصيل في مصطلح: «اعتكاف 5 207».
«السّابعة: قراءة القرآن الكريم في رمضان والذّكر»
11 - يستحبّ في رمضان استحبابًا مؤكّدًا مدارسة القرآن وكثرة تلاوته ، وتكون مدارسة القرآن بأن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه ، ودليل الاستحباب « أنّ جبريل كان يلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن » وقراءة القرآن مستحبّة مطلقًا، ولكنّها في رمضان آكد.
« الثّامنة: مضاعفة ثواب الأعمال الصّالحة في رمضان»
12 - تتأكّد الصّدقة في شهر رمضان ، لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم ; لأنّه أفضل الشّهور ; ولأنّ النّاس فيه مشغولون بالطّاعة فلا يتفرّغون لمكاسبهم ، فتكون الحاجة فيه أشدّ ، ولتضاعف الحسنات به. قال إبراهيم: تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحةٍ فيما سواه.
«التّاسعة: تفطير الصّائم»
13 - لحديث زيد بن خالدٍ الجهنيّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « من فطّر صائمًا كان له مثل أجره ، غير أنّه لا ينقص من أجر الصّائم شيئًا »
«العاشرة فضل العمرة في رمضان»
14 - العمرة في رمضان أفضل من غيره من الشّهور لحديث ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « عمرة في رمضان تعدل حجّةً »
«ترك التّكسّب في رمضان للتّفرّغ للعبادة»
15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الاكتساب فرض للمحتاج إليه بقدر ما لا بدّ منه.
واختلف الفقهاء أيّهما أفضل: الاشتغال بالكسب أفضل ، أم التّفرّغ للعبادة ؟.
فذهب البعض إلى أنّ الاشتغال بالكسب أفضل ; لأنّ منفعة الاكتساب أعمّ ، فمن اشتغل بالزّراعة - مثلًا - عمّ نفع عمله جماعة المسلمين ، ومن اشتغل بالعبادة نفع نفسه فقط. وبالكسب يتمكّن من أداء أنواع الطّاعات كالجهاد والحجّ والصّدقة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب والأجانب ، وفي التّفرّغ للعبادة لا يتمكّن إلاّ منأداء بعض الأنواع كالصّوم والصّلاة. ومن ذهب إلى أنّ الاشتغال بالعبادة أفضل احتجّ بأنّ الأنبياء والرّسل عليهم الصلاة والسلام ما اشتغلوا بالكسب في عامّة الأوقات ، وكان اشتغالهم بالعبادة أكثر ، فيدلّ هذا على أفضليّة الاشتغال بالعبادة ; لأنّهم عليهم الصلاة والسلام كانوا يختارون لأنفسهم أعلى الدّرجات. وعليه فمن ملك ما يكفي حاجته في رمضان كان الأفضل في حقّه التّفرّغ للعبادة طلبًا للفضل في هذا الشّهر ، وإلاّ كان الأفضل في حقّه التّكسّب حتّى لا يترك ما افترض عليه من تحصيل ما لا بدّ منه. وقد أخرج أحمد في مسنده عن وهب بن جابرٍ الخيوانيّ قال: شهدت عبد اللّه بن عمرٍو في بيت المقدس وأتاه مولًى له فقال: إنّي أريد أن أقيم هذا الشّهر هاهنا - يعني رمضان - قال له عبد اللّه: هل تركت لأهلك ما يقوتهم ؟ قال: لا ، قال: أما لا ، فارجع فدع لهم ما يقوتهم ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: « كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت » وقد ترجم الخطيب في كتابه الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السّامع لهذا الحديث بقوله: ذكر ما يجب على طالب الحديث من الاحتراف للعيال واكتساب الحلال. وانظر مصطلح: «اكتساب» .