يقول الإمام المحقق إبن عربي , في الباب الحادى والخمسون من كتابه "الفتوحات المكية", ولعمري من تأمل هذا النص لوجد الكثير من الأعراض والظواهر التي تظهر على المجالسين للروحانين من الجن, وطبيعة الإستدراج الخفي للجن:
"ومنهم (ويعني الزهاد والمختلين بأنفسهم) من يجالسه الروحانيون من الجان ولكن هو دون الجماعة في الرتبة إذا لم يكن له حال سوى هذا, لانهم قريب من الانس في الفضول , والكيس من الناس من يهرب منهم كما يهرب من الناس , فان مجالستهم رديئة جدا قليل أن تنتج خيرا لأن أصلهم نار والنار كثيرة الحركة , ومن كثرت حركته كان الفضول أسرع اليه في كل شيء فهم أشد فتنة على جليسهم من الناس فانهم قد اجتمعوا مع الناس في كشف عورات الناس التي ينبغى للعاقل أن لا يطلع عليها غير أن الانس لا تؤثر مجالسة الإنسان اياهم تكبرا ومجالسة الجن ليست كذلك فانهم بالطبع يؤثرون في جليسهم التكبر على الناس وعلى كل عبد للّه وكل عبد للّه رأى لنفسه شفوفا على غيره تكبرا فانه يمقته الله في نفسه من حيث لا يشعر وهذا من المكر الخفىّ وعين مقت الله اياه هو ما يجده من التكبر على من ليس له مثل هذا ويتخيل انه في الحاصل وهو في الفائت ثم اعلم أن الجان هم أجهل العالم الطبيعىّ بالله ويتخيل جليسهم بما يخبرونه به من حوادث الاكوان وما يجرى في العالم مما يحصل لهم من استراق السمع من الملأ الأعلى فيظن جليسهم انّ ذلك كرامة الله به وهيهات لما ظنوا ولهذا ما ترى أحدا قط جالسهم فحصل عنده منهم علم بالله جملة واحدة غاية الرجل الذي تعتني به أرواح الجنّ أن يمنحوه من علم خواص النبات والاحجار والأسماء والحروف وهو علم السيمياء فلم يكتسب منهم إلا العلم الذي ذمّته ألسنة الشرائع ومن ادّعى صحبتهم وهو صادق في دعواه فاسألوه عن مسئلة في العلم الإلهىّ ما تجد عنده من ذلك ذوقا أصلا فرجال الله يفرّون من صحبتهم أشد فرارا منهم من الناس فانه لا بد أن تحصل صحبتهم في نفس من يصحبهم تكبرا على الغير بالطبع وازدراء بمن ليس له في صحبتهم قدم وقد رأينا جماعة ممن صحبوهم حقيقة وظهرت لهم براهين على صحة ما ادّعوه من صحبتهم وكانوا أهل جد واجتهاد وعبادة ولكن لم يكن عندهم من جهتهم شمة من العلم بالله ورأينا فيهم عزّة وتكبرا فما زلنا بهم حتى حلنا بينهم وبين صحبتهم لانصافهم وطلبهم الانفس كما أيضا رأينا ضد ذلك منهم فما أفلح ولا يفلح من هذه صفته إذا كان صادقا وأمّا الكاذب فلا نشتغل به"